الكاتب: الشيخ الأستاذ إبرهيم مشكضيضتاريخ النشر: سبتمبر 13, 2024آخر تحديث: سبتمبر 13, 2024وقت القراءة: للقراءةعدد الكلمات: كلمةعدد التعليقات: 0 تعليق
نبذة عن المقال: "ابن تيمية" لم يكن على مذهب السلف، بل تجنّى على هذا المذهب، ونسب إليهم ما هم بريئون منه. بل إنه ارتكب كل ما حذر منه السلف. فهو ليس سلفيًا - كما يظن
-AA+A
تمهيد :
امتلأت كتب "ابن تيمية"، ورسائله، وفتاواه بمصطلحات مثل: السلف والسلفية، مذهب السلف، منهج السلف، علماء السلف، رأي السلف، اعتقاد السلف، طريقة السلف، سلف الأمة، السلف الصالح، السلف الموثوق بهم، والسلف المقبولون... وغيرها من المصطلحات التي ترتبط فيها كلمة "السلف" بشكل وثيق وتأتي مرادفة لها.
ولكن إذا تأملنا قليلاً في آرائه وفتاواه، سنجد أنه بعيد كل البعد عن "السلفية" التي طالما روج لها، واستخدمها كسيف على رقاب معارضيه وكرصاصة في وجه مخالفيه!
نعم، "ابن تيمية" لم يكن على مذهب السلف، بل تجنّى على هذا المذهب، ونسب إليهم ما هم بريئون منه. بل إنه ارتكب كل ما حذر منه السلف. فهو ليس سلفيًا - كما يظن بعض السذاج - بل كان يسعى لجر مذهب السلف نحو أفكاره ومذهبه الخاص!
ابن تيمية شيخ المجسمة لا شيخ الإسلام
عقيدة السلف :
فالسلف –رضوان الله عليهم– لم ينسبوا الجهة إلى الله سبحانه، ولم يدعوا إلى التشبيه أو التجسيم في الأسماء والصفات، ولم يقولوا بفناء النار وزوالها، ولم يثبتوا قصة الغرانيق، ولم ينكروا عصمة الأنبياء، ولم يؤمنوا بقِدَم العالم أو تسلسل الحوادث، ولم ينفوا وجود المجاز في القرآن، ولم يقولوا بحدوث القرآن، ولم يزعموا أن ترتيب سور القرآن كان اجتهادياً وليس توقيفياً، ولم يقولوا بأزلية الكون، ولم يحرموا السفر لزيارة النبي ﷺ، ولم يعتبروا التوسل به شركاً، ولم يتطاولوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولم يجرؤوا على انتهاك حرمة آل بيت النبي، ولم ينكروا الأحاديث النبوية الصحيحة، ولم يقحموا الأمة في دهاليز الجدل والسفسطة، ولم يتهموا العلماء بالزندقة أو الإلحاد، ولم يكفروا مخالفيهم في الرأي أو الفتوى... إلى آخره!
وفيما يلي سنثبت بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن "ابن تيمية" قد خرج عن مذهب السلف وتناقض مع منهجهم. فقد خالف السلف في كثير من الأمور، ولم يهتم إلا بما اقتنع به هو شخصيًا – كما يقول محمد خليل هراس، *وهو من دعاة السلفية في العصر الحاضر*. وأي قارئ لكتب ابن تيمية، خاصة في العقيدة، يجد أنها مبنية على طريقة المتكلمين، وهي الطريقة التي حذّر منها علماء السلف، وعلى رأسهم الإمام الشافعي -رحمه الله- الذي رفض استخدام أسلوب المتكلمين في الرد على المعتزلة، واكتفى بترديد نصوص القرآن والسنة. في المقابل، استخدم ابن تيمية نفس أساليب المتكلمين لإثبات ما سماه "عقيدة السلف". فهل كان الإمام الشافعي عاجزًا عن القيام بما قام به ابن تيمية؟ "ابن تيمية الشيخ السلفي"، لمحمد خليل هراس".
أصل مذهب التجسيم وأدلته من كتب ابن تيمية :
أول من وضع أسس هذا المذهب وأصل أصوله هو ابن تيمية الحراني، الذي جمع مسائل هذا الفكر وحشد في كتبه العديد من الأقوال التجسيمية. سأعرض فيما يلي نماذج من كلامه في مسألة التجسيم:
1- يقول ابن تيمية في كتابه نقض أساس التقديس، والمسمى أيضا بيان تلبيس الجهمية (1 /109) : وإذا كان كذلك فاسم المشبهة ليس له ذكر يذم في الكتاب والسنة ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين …” . فهنا يصرح بوضوح بأن التشبيه لم يثبت في الكتاب و السنة و لا من أحد من الصحابة و التابعين لا بمدح ولا بذم .
2- وقال في بيان تلبيس الجهمية (1 / 101) : “وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها أنه ليس بجسم، وأن صفاته ليست أجساما وأعراضا، فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال” . وهنا يحتج لتجسيمه بعدم ذكر الكتاب و السنة و سلف الأمة الله أنه ليس بجسم و العياذ بالله .
3- ويقول في رسالته المسماة الرسالة التدمرية (1 / 30) :وإنه (أي الله تعالى) ليدحوها كما يدحو الصبيان بالكرة ، أي أن الله يدحو الأرض كما يدحو (يلعب) الصبيان بالكرة . فهنا يشبه الله بالصبيان نعوذ بالله من الضلال .
4- ويقول في كتابه بيان تلبيس الجهمية (1 / 568) :ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات والأرض…
5 - وفي بيان تلبيس الجهمية (1 / 98) يقول : " وروى أبو الشيخ وغيره عن ابن عباس قال: ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم، وفي لفظ إنها لتغيب في يده حتى لا يرى طرفاها." فهذا الأثر لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وعلى تقدير صحته : يكون مما أخذه ابن عباس عن أهل الكتاب ، ولا حجة في هذا .
فلا يصح أن يقال بمقتضى هذا الأثر ، وهو قول مستنكر لا دليل عليه انظر ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (1/42) و السيوطي في الحاوي (1/462) و الذهبي في كتاب العلو(42) وابن قدامة في المنتخب ( 75) .....
6- وفي كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل (5 / 395) : فَصَارَتْ الْجَهْمِيَّةُ الَّذِينَ يَنْفُونَ عَنْ اللَّهِ الْجِهَةَ وَالْحَيِّزَ , مَقْصُودُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ رَبٌّ , وَلا فَوْقَ السَّمَاوَاتِ إلَهٌ . وهنا يصرح و يجعل لله المكان والتحيز .
7 - وفي نفس المصدر أي إقامة الدليل على إبطال التحليل (1 / 392) ، والفتاوى الكبرى ( 6 / 345) يقول : وَمِنْ الْمَعْلُومِ أنه لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَلا فِي كَلام أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الأمة مَا يَدُلُّ نَصًّا وَلا اسْتِنْبَاطًا عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ , وَأَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ الْمَخْلُوقَاتِ , وَأَنَّهُ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ رَبٌّ يُعْبَدُ , وَلا عَلَى الْعَرْشِ إلَهٌ يُدْعَى وَيُقْصَدُ , وَمَا هُنَاكَ إلا الْعَدَمُ الْمَحْضُ وَسَوَاءٌ سُمِّيَ ثُبُوتُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلا بِالْجِهَةِ وَالتَّحَيُّزِ , أَوْ لَمْ يُسَمَّ .
8 - وفي كتابه بيان تلبيس الجهمية (1/ 111) : والباري سبحانه وتعالى فوق العالم فوقية حقيقية ليست فوقية الرتبة .
9 - وفي كتابه منهاج السنة النبوية (2 / 224) : فإن قلتم لنا: قد قلتم بقيام الحوادث بالرب قالوا لكم: نعم وهذا قولنا الذي دل عليه الشرع والعقل، ومن لم يقل إن البارئ يتكلم ويريد ويحب ويبغض ويرضى ويأتي ويجئ فقد ناقض كتاب الله تعالى .
10 - وفي كتابه منهاج السنة النبوية (2 / 225) يقول :إذا قالوا لنا: فهذا يلزم أن تكون الحوادث قامت به قلنا: ومن أنكر هذا قبلكم من السلف والأئمة؟ ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك مع صريح العقل، وهو قول لازم لجميع الطوائف .
11 - ويقول في كتابه : درء تعارض العقل والنقل – ص 58 – ما نصه : ( فهذا كله وما أشبهه دلائل على الحد ، ومن لم يعترف به فقد كفر بتنزيل .
أقوال علماء أهل السنة والجماعة :
- قال العفيف اليافعي في كتابه *مرهم العلل المعضلة في دفع الشبه والرد على المعتزلة*: "ومتأخرو الحنابلة غلوا في دينهم غلوًا فاحشًا، وتسفّهوا سَفَهًا عظيمًا، وجسّموا تجسيمًا قبيحًا، وشبّهوا الله بخلقه تشبيهًا شنيعًا، وجعلوا له من عباده أمثالًا كثيرة؛ حتى قال أبو بكر ابن العربي في *العواصم*: أخبرني من أثق به من مشيختي أن القاضي أبا يعلى الحنبلي كان إذا ذَكر الله سبحانه يقول فيما ورد من هذه الظواهر في صفاته تعالى: ألزموني ما شئتم فإني ألتزمه إلا اللحية والعورة. قال أئمة بعض أهل الحق: وهذا كفر قبيح واستهزاء بالله تعالى شنيع، وقائله جاهل به تعالى، لا يُقتدى به ولا يُلتفت إليه، ولا هو متبع لإمامة الذي ينتسب إليه ويتستر به؛ بل هو شريك للمشركين في عبادة الأصنام، فإنه ما عبد الله ولا عرفه، وإنما صوّر صنمًا في نفسه – فتعالى الله عما يقول الملحدون والجاحدون علوًا كبيرًا."
في هذا النص، ينتقد العفيف اليافعي وبعض العلماء المتأخرين من الحنابلة، وخاصة أبا يعلى الحنبلي، بسبب التجسيم والتشبيه القبيح لله بخلقه، وهو ما يعتبره العلماء كفرًا واستهزاءً بالله تعالى.
- قال ابن عبدالسلام كما في طبقات الشافعية ( ص222-223 ) : ( والحشوية المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه ضربان : أحدهما لا يتاحشى من إظهار الحشو ( ويحسبون أنهم على شيء ألآ إنهم هم الكاذبون) ( المجادلة :18 ) ، والآخر يتستر بمذهب السلف ، لسحت يأكله أو حطام يأخذه .
أظهروا للناس iiنسكـا **** وعلى المنقوش داروا
(يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم ) ( النساء : 91 ) ، ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه ، ولذلك جميع المبتدعة يزعمون أنهم على مذهب السلف فهم كما قال القائل :
وكل يدعون وصال ليلى **** وليلى لا تقر لهم بذاكا
وكيف يدعي على السلف أنهم يعتقدون التجسيم والتشبيه ، أو يسكتون عند ظهور البدع ويخالفون قوله تعالى ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ) ( البقرة :42 ) ، وقوله ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) ( آل عمران : 187 ) ، وقوله ( لتبين للناس مانزل إليهم ) ( النحل : 44 ) والعلماء ورثة الأنبياء ، فيجب عليهم من البيان ما وجب على الأنبياء ، وقال تعالى ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) (آل عمران:104) ، ومن أنكر المنكرات التجسيم والتشبيه ، ومن أفضل المعروف التوحيد والتنزيه وإنما سكت السلف قبل ظهور البدع ، فورب السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع لقد شمر السلف للبدع لما ظهرت ، فقمعوها أتم القمع ، وردعوا أهلها فردوا على القدرية والجهمية والجبرية وغيرهم من أهل البدع ، فجاهدوا في الله حق جهاده .
والجهاد ضربان : ضرب بالجدل والبيان وضرب بالسيف والسنان ، فليت شعري فما الفرق بين مجادلة الحشوية وغيرهم من أهل البدع ! ولولا خبث في الضمائر وسوء اعتقاد في السرائر ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ولا يرضى من القول ) (النساء :108) ، وإذ سئل عن غير الحشو من البدع أجاب فيه بالحق ، ولولا ما انطوى عليه باطنه من التجسيم لأجاب في مسائل الحشو بالتوحيد والتنزيه ، ولم تزل هذه الطائفة المبتدعة قد ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا ( كلما أقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) (المائدة : 64) لا تلوح لهم فرصة إلا إليها ، ولا فتنة إلا أكبوا عليها .) . ومثله لابن جهبل في رده على ابن تيمية كما في "الطبقات الكبرى" للتاج السبكي .
- وقال العلامة التاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى عن هؤلاء الحشوية بعد كلام : ( فهذه عقيدتهم ويرون أنهم مسلمون ؛ وأنهم أهل السنة ، ولو عدوا عددا لما بلغ علماؤهم ولا عالم فيهم على الحقيقة مبلغا يعتبر ، ويكفرون غالب علماء الأمة ثم يعتزون إلى الإمام أحمد ابن حنبل وهو منهم بريء ) .
- قال الإمام تاج الدين السبكي عن الحشويه المجسمة مانصه : ( .. وفي المبتدعة لا سيما المجسمة زيادة لا توجد في غيرهم ، وهو أنهم يرون الكذب لنصرة مذهبهم ، والشهادة على من يخالفهم في العقيدة بما يسوءه في نفسه وماله بالكذب تأييدا لاعتقادهم ، ويزداد حنقهم وتقربهم إلى الله بالكذب عليه بمقدار زيادته في النيل منهم ، فهؤلاء لا يحل لمسلم أن يعتبر كلامهم ... وقد تزايد الحال بالخطابية وهم المجسمة في زماننا هذا ، فصاروا يرون الكذب على مخالفيهم في العقيدة لا سيما القائم عليهم ، بكل ما يسوءه في نفسه وماله . وبلغني أن كبيرهم استفتي في شافعي : أيشهد عليه بالكذب ؟؟ فقال : ألست تعتقد أن دمه حلال ؟؟ قال : نعم ، قال : فما دون ذلك دون دمه فاشهد وادفع فساده عن المسلمين !!! فهذه عقيدتهم ، ويرون أنهم المسلمون وأنهم أهل السنة ، ولو عُدوا عددا لما بلغ علماؤهم ولا عالم فيهم على الحقيقة مبلغا يعتبر ، ويكفرون غالب علماء الأمة ثم يعتزون إلى الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه !!! وهو منهم بريء ، ولكنه كما قال بعض العارفين ، ورأيته بخط تقي الدين بن الصلاح : إمامان ابتلاهما الله بأصحابهما ، وهما بريئان منهم : أحمد بن حنبل ابتلي بالمجسمة ، وجعفر الصادق ابتلي بالرافضة .... وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا إلى أن كتب ( شرح صحيح مسلم ) للشيخ محي الدين النووي ، وحذف من كلام النووي ما تكلم به على أحاديث الصفات ، فإن النووي أشعري العقيدة ، فلم تحمل قوى هذا الكاتب أن يكتب الكتاب على الوضع الذي صنفه مصنفه ، وهذا عندي من كبائر الذنوب ، فإنه تحريف للشريعة ، وفتح باب لا يؤمن معه بكتب الناس وما في أيديهم من المصنفات ، فقبح الله فاعله وأخزاه ، وقد كان في غنية عن كتابة هذا الشرح ، وكان الشرح في غنية عنه .. ) . انتهى كلام الإمام السبكي من طبقاته ( 1/192 ) مختصرا .
وأقوال ابن تيمية في التجسيم كثيرة وما أدرجناه ليس على سبيل الحصر ، وإنما على سبيل الإختصار .
0 تعليقات