تمهيد :
شيوخ الوهابية يقولون إن النبي ﷺ ليس أفضل الخلق على الإطلاق، ويزعمون أنه لا يوجد دليل قطعي يثبت ذلك.
لذا، لا يُستغرب أن نجد تقليلاً منهم في حق الجناب النبوي، فهذا هو طبعهم ومنهجهم الذي ينطلقون منه ويصدرون عنه. ولهذا تجدهم دائماً يتحينون الفرص للرد والتعقيب على من يعظمون الجناب النبوي ويمدحونه، كالإمام البوصيري وأمثاله، وفي هذا الإطار يأتي تحريمهم للاحتفال بالمولد النبوي والتعبير عن الفرح برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا أفهم لماذا يقلل هؤلاء من مكانة سيد الأنبياء والمرسلين ﷺ ؟. فهؤلاء هم أفضل وأعظم العلماء الذين يتبعهم أتباع الوهابية ويأخذون بفتاواهم وكتبهم .
هل أدركتم يا عباد الله لماذا نحذّر من منهج الوهابية؟
عداوة الوهابية للنبي ﷺو التنقيص من مقامه |
أدلة انتقاص الوهابية من مقام سيد المرسلين ﷺ :
ابن باز :
يقول ابن باز في إجابته عن سؤال حول المسجد النبوي: "هناك شبهة يثيرها عبّاد القبور، وهي وجود قبر النبي ﷺ في مسجده. والجواب على ذلك هو أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يدفنوه في مسجده، بل دفنوه في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها. وعندما وسّع الوليد بن عبد الملك المسجد النبوي في أواخر القرن الأول الهجري، قام بإدخال الحجرة التي تضم القبر في المسجد. وقد أساء في هذا التصرف، وأنكر عليه بعض أهل العلم، لكنه اعتقد أن هذا الفعل لا بأس به."{ (مجموع الفتاوى 5/388-389)}.
هنا يدلس الوهابي ابن باز على المسلمين بقوله إن "أهل العلم أنكروا على الوليد بن عبد الملك إدخال القبر في المسجد." وهذا الكلام هو تدليس واضح. فمن هم هؤلاء "أهل العلم" الذين أنكروا على الوليد إدخال القبر في المسجد؟ وما هي أسماؤهم وأين وردت أسماؤهم في أي ثبت أو مرجع؟ لم يُذكر في أي رواية حتى الضعيفة أن فقهاء المدينة أو غيرهم أنكروا هذا التوسيع بدعوى الحرمة أو الشرك. بل لم يُسجل أي إنكار على هذه التوسعة على الإطلاق، ولم يكن هناك اعتراض سوى لأسباب أخرى وهي ما ورد عند ابن كثير لم يكن سوى استنتاج من إنكار نُقل عن سعيد بن المسيب، وهو ما لم ينقله سوى بطرق غير دقيقة. في "طبقات ابن سعد" نجد أن سعيد بن المسيب قال: «لَوَدِدْتُ أَنَّهُمْ تَرَكُوهَا عَلَى حَالِهَا، يَنْشَأُ نَاشِئٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيَقْدِمُ القَادِمُ مِنَ الْآفَاقِ فَيَرَى مَا اكْتَفَى بِهِ رَسُولُ اللهِ فِي حَيَاتِهِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ مُمَّا يُزْهِدُ النَّاسَ فِي التَّكاثرِ وَالتَّفَاخُرِ فِي الدُّنْيَا.» (الطبقات 8/168). وهذا يوضح أن إنكار سعيد بن المسيب كان حول رؤية الناس للبساطة التي عاشها النبي ﷺ وليس حول الشرك أو البدعة.
أما بالنسبة لعمر بن عبد العزيز، فقد كان عالماً وفقهياً بارزاً، ومن المعروف أنه كان يتبع السنة النبوية. فمن غير الممكن أن يرضى بالبدعة أو الشرك. بل كان يشرف بنفسه على التوسعة ويؤكد على توافقها مع السنة..
ابن عثيمين :
ابن عثيمين سئل : هل النبي أشرف الخلق ؟ فقال : قولنا عن النبي أشرف الخلق ( لا يصح ) ، و إن هذه من عبارات التصوف ٬ و استدل بقوله تعالى : ( و يخلق ما لا تعلمون ) [ سورة : النحل - الآية : 8 ] ، و لا أعلم إلی ساعتي هذه أنه جاء أن النبي أفضل الخلق مطلقاً فی كل شيء . { كتاب : المناهي اللفظية لإبن عثيمين ( صفحة : 161- سؤال رقم : 176 ) }.
ومن خلال هذا الجواب يظهر أمران:
أولهما: قصور الشيخ أو تقصيره في الاطلاع على أمر مشهور ومتداول في المتون والمصنفات، سواء الصغيرة أو الكبيرة، وكذلك في الشروح والحواشي. وربما لم تكن أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم تشغل اهتمامه، لذا لم يبحث في هذا الموضوع ولم يستحضر أدلته.
ثانياً: يتبين هنا تدليس الشيخ على السائل، حيث نسب أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم إلى "بعض أهل العلم"، رغم أن هذا الرأي هو إجماع بين العلماء.
الألباني :
قال : و أمر ثالث و أخير و هو أن الدكتور قد ادعی أن النبي أفضل الخلائق عند الله علی الإطلاق ٬ و هذه عقيدة و هی لا تثبت عنده إلا بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة ٬ أي : بآية قطعية الدلالة : أو حديث متواتر قطعي ؛ ثم يواصل الألباني كلامه فيقول : فأين هذا النص الذی يثبت كونه ﷺ أفضل الخلائق عند الله علی الإطلاق ؟ {كتاب : التوسل أنواعه و أحكامه - للألباني ( صفحة : 149 )}.
وبهذا التسرع، يخالف الألباني الإجماع ويدّعي أن هذا الإجماع باطل ولا دليل عليه. وهو في الحقيقة معذور في هذا الموقف، نظراً لضعفه الواضح في علوم الكلام والأصول والتفسير وفنون اللغة العربية، بالإضافة إلى ضعفه في علم الحديث الذي اشتهر به. ومن أراد أن يدرك هذا الضعف في علم الحديث يمكنه الرجوع إلى كتب مثل "التعريف بأوهام من قسم السنن إلى صحيح وضعيف" أو "تناقضات الألباني الواضحات" وغيرها من المؤلفات التي كشفت عن نقصه وعدم تمكّنه من العلم الذي قضى حياته فيه، مما يجعل ضعفه في العلوم الأخرى أمراً أكثر بديهية.
وهذه ليست إلا أمثلة صغيرة من العداء الوهابي لجناب وحضرة سيدنا و حبيبنا محمد ﷺ جمعتها لا بالحصر ، و إنما لضرب المثل .
إجماع العلماء على فضائل النبي ﷺ و خصائصه :
لا يكاد يُذكر النبي صلى الله عليه وسلم عند علماء المسلمين إلا مقروناً بألفاظ السيادة والإجلال، كما خصصوا لكمالاته وفضائله العديد من الرسائل والمصنفات والقصائد والمنظومات. وقد أجمعوا على أن النبي هو أفضل الخلق على الإطلاق، ولم يكن ذلك بدعاً منهم، بل هو رأي الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم الدين. كما قال الشيخ أحمد المقري المالكي الأشعري في "إضاءة الدجنة":
{وانعقد الإجماع أن المصطفى أفضل خلق الله، والخُلْفُ} اهـ
.
.
لقد تمت الإشارة في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه إلى أدلة كثيرة، حيث بيّنت النصوص الشرعية أن الله عز وجل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خليلاً، وجعله خاتم رسله، وأنزل عليه أفضل كتبه، وجعل رسالته عامة للثقلين إلى يوم القيامة. وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأجرى على يديه من الآيات ما فاق جميع الأنبياء قبله. كما خصه بالشفاعة الكبرى والمقام المحمود، وهو سيد ولد آدم وأول من يُفَتَح له القبر، وأول شافع وأول مشفع، وبيده لواء الحمد يوم القيامة، وأول من يجتاز الصراط، وأول من يقرع باب الجنة وأول من يدخلها. كل هذه الفضائل ثبتت بأدلة صحيحة وصريحة في السنة النبوية.
قال شيخ الإسلام الإمام النووي رضي الله تعالى عنه تعليقاً على قوله صلى الله عليه و سلم : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، و أول من ينشق عنه القبر ، و أول شافع و أول مشفع . - و هذا الحديث دليل لتفضيله صلى الله عليه و سلم على الخلق كلهم ؛ لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة ، و هو صلى الله عليه و سلم أفضل الآدميين و غيرهم . كتاب شرح صحيح الإمام مسلم رضي الله تعالى عنه ( مجلد : 15 - صفحة : 413 ) .
وقد اتفقت آراء العلماء على وصف حضرة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أفضل الخلق، ومن هؤلاء العلماء: الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتابه "الأم" (مجلد 4، صفحة 167)، والإمام عبد الرازق الصنعاني رضي الله عنه في "المصنف" (مجلد 2، صفحة 419)، والإمام السفاريني الحنبلي رضي الله عنه في "غذاء الألباب" (مجلد 1، صفحة 15)، والإمام القرافي المالكي رضي الله عنه في "الذخيرة" (مجلد 2، صفحة 63)، وابن القيم الجوزية الحنبلي رضي الله عنه في "تهذيب السنن" (مجلد 5، صفحة 145)، وابن كثير رضي الله عنه في "البداية والنهاية" (مجلد 1، صفحة 178)، وابن حجر العسقلاني رضي الله عنه في "فتح الباري" (مجلد 6، صفحة 452)، والشيخ الدردير المالكي رضي الله عنه في "الشرح الكبير" (مجلد 2، صفحة 173)، والألوسي الحنفي رضي الله عنه في "روح المعاني" (مجلد 4، صفحة 284)، والإمام الطاهر بن عاشور رضي الله عنه في تفسيره (مجلد 2، صفحة 420)، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" (مجلد 9، صفحة 215)، وغيرهم الكثير.
بقلم الشيخ الأستاذ إبراهيم مشكضيض المغربي .
0 تعليقات